"... أما بعد فإن فن التاريخ من الفنون التي تتداولها الأمم و الأجيال و تشد إليها الركائب والرحال، و تسمو إلى معرفته السوقة و الأغفال، و تتنافس فيه الملوك و الأقيال و يتساوى في فهمه العلماء و الجهال،فهو في ظاهره لا يزيد عن إخبار عن الأيام و الدول،و السوابق من القرون الأول،تنمو فيها الأقوال،و تضرب فيها الأمثال وتطرف بها الأندية إذا غصها الاحتفال،وتؤدي إلينا شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال،و اتسع للدول فيها النطاق والمجال، وعمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال و حان منهم الزوال.و في باطنه نظر وتحقيق،و تعليل للكائنات و مبادئها دقيق، و علم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق و جدير بأن يعد في علومها حقيق ...".
من مقدمة ابن خلدون