من الممتلكات الروسية شرق نهر أموداريا يعد "الوادي الذي يجري ذهبا" أكثر المناطق سقيا بفضل عمل الأهالي .مدينة سمرقند هي عاصمة هذه المنطقة الشهيرة،بنيت إذا لم يكن في المكان الذي كانت توجد به الآن في عهد ألكسندر المقدوني مدينة "ماركاندا "فعلى الأقل بجوارها. و لم يتغير الاسم الذي تحمله إلا قليلا مع أن الاسم ينسب إلى القائد العربي سمر الذي استولى عليها عام (643 ميلادية؟ ! )و أدخل إليها الإسلام.
عرفت المدينة في فترة الحكم الصيني بأسماء "تشين" و" سا - مو- كين" و كانت دار حكم الأسرة السامانية بين منتصف القرن التاسع و بداية القرن الحادي عشر و أصبحت هده المدينة التي لقبت كذلك بموطن "السلام والعلم" واحدة من أكثر مدن العالم عملا من أجل تطور المعارف البشرية.و كانت كذلك من أكبر مدن آسيا من حيث عدد سكانها .فعندما هدم جنكيزخان أسوارها عام 1210 كان تعداد الجيش المدافع عنها مائة و عشرة آلاف رجل . لم يبق في المدينة من سكانها ،بعد مرور الفاتح المرعب، سوى ربع ما كان قبل الغزو أي 25ألف عائلة. و لكن المدينة نهضت شيئا فشيئا و أصبحت مركز إمبراطورية تيمورلنك الضخمة، ثم تعرضت للتخريب مرة أخرى على أيدي البدو الرحل .و في مطلع القرن الثامن عشر لم يبق فيها سوى ساكن واحد.
أطلال سمرقند القديمة بلا شكل محدد مبعثرة في الحقول و الروابي المحيطة.إلا أن ما يصنع مجد المدينة وشهرتها هو تلك المعالم الخربة كلية.
من بعيد ترى فوق الأسوار القبب الزرقاء الكبيرة و بعض منارات مساجدها، قصور و مدارس ترتسم جانبيا في أفق الجبال البيضاء شتاء و البنفسجية أو الآزورية اللون صيفا .في الشمال الشرقي من المدينة يوجد مرتفع "تشوبان آتا" يضم أطلالا رائعة ، يشرف هذا المرتفع على سمرقند و حدائقها و من سفحه تتشعب قنوات الري الكبرى: الماء الأبيض (آك داريا) و الماء الأسود (قارة داريا).و في ربيع كل عام يشتغل أربعة آلاف عامل في تنظيف (آك داريا) الذي ينسد بالطمي بسهولة لكون مجراه أعلى مما حوله.
منذ أن جعل الروس من عاصمة تيمورلنك إحدى عواصم مقاطعاتهم بنوا إلى الغرب من القلعة حيا جديدا بشوارع منتظمة تنفتح على الريف كفروع مروحة يدوية : حدائق و شوارع من أشجار تزين هذا الحي الأوروبي ،و لكن يجب على المرء أن يجوب الأزقة الضيقة في الحي المحمدي ليدرك ما كانت عليه سمرقند أيام عزها .هل توجد في العالم مدارس تضاهي مدارس سمرقند قوة و ثراء معماريا ؟.لكن ليس لها اليوم من المدارس الاسم ،و لم تعد أراضي الوقف تستخدم إلا في خدمة الملالي(رجال الدين) و المقتصدين أي المتوليين.
مخطط هذه البنايات على بساطة واضحة و مرموقة و جديرة بالملاحظة (...) توجد أغلب القصور التي تعود إلى العهد التيموري في حالة خراب و لكن أجزاء منها بقيت في حالة جيدة : الواجهة،أبراج و قبب.
ساحة ريجستان هي الساحة الرئيسية لسمرقند تحييها جموع المتجولين و التجار المتنقلين بملابسهم المخططة بالألوان.تحفها ثلاثة من أجمل مدارس المدينة : " شير دار" (الأسود الآلهة) و" تبلا كاري"و تعني المذهبة و مدرسة " أولوك بك " سميت بهذا الاسم على شرف العاهل الذي أمر ببنائها عام 1420.لقد كانت هي مدرسة الرياضيات و الفلك ذائعة الصيت و التي جعلت من سمرقند واحدة من أقدس مدن العلم.
أروع مساجد المدينة و آسيا الوسطى كلها هو مسجد " شاه زنده " أو الملك الحي. سمي باسم أحد المدافعين عن الإسلام*(...)، وحسب المؤمنين، سيستيقظ في يوم من الأيام ليعيد العالم إلى دين محمد.المدرسة الجميلة و لكنها متدهورة التي بنتها " بيبي كانيم" (هانم؟) إحدى زوجات تيمورلنك تستخدم اليوم إسطبلا و سوقا للقطن : و يشاهد فيها كرسي المرمر الذي يزحف عليه المرضى طلبا لاستعادة الصحة، وفي ساحة صغيرة يوجد المسجد الصغير الذي يضم رماد الملكة .أما رفاة تيمورلنك فيوجد في مدفن في قبو مسجد آخر يدعى "غور أمير"(Gour émir)يقع فوق ربوة مجاورة للقلعة و تعلوه قبة ذات رشاقة نادرة .نصبت فوق القبر صخرة خضراء داكنة يقال أنها من النفريت néphrite. باتجاه مكة تنتصب سارية علم تحمل ذيل ثعلب تذكر بقوة هذا الرجل الذي لم يوجد رجل مدمر مثله و بدا للأمم المرعوبة إلها. حوله يرقد معلمه،حفيده أولوك بك و أحفاد آخرون. و بالقرب منهم قبور زوجاته. و تتحدث الكتابات على الجدران عن عظمته و ما تزال إحداها تتوعد «لو بقيت حيا لعاشت الدنيا في رعب" .
القلعة التي تضم لوحدها حيا كاملا و حيث نصب الروس في الوقت الراهن مكاتبهم الإدارية و العسكرية، تضم كذلك مساجد و أضرحة و القصر القديم للأمير. و قد حول هذا القصر إلى مستشفى.وسط ساحة من هذا القصر توجد صخرة ضخمة رمادية اللون علوها متر و نصف و طولها ثلاثة أمتار يقال أن تيمورلنك جلبها من بروسة (في تركيا) اتخذها كرسيا للعرش. تدعى هذه الصخرة "كوك تاش" و قد كانت في قصر آخر خارج المدينة تشاهد أطلاله على بعد عدة كيلومترات(...)
بسبب هذا الكم الهائل من المساجد و البنايات الدينية الأخرى التي تحيط بهم يعد سكان سمرقند الذين أكثر من نصفهم من التاجيك أكثر ممارسة للشعائر من أهل طشقتد و مدن تركستان الروسية الأخرى.و تحمل سمرقند عن جدارة لقب "رأس الإسلام" منحه لها مثل قديم ،و حسب هذا المثل فإن مكة هي القلب.و تحمل كذلك تسميات أخرى "وجه الأرض" و "حديقة السعداء" لكثرة أضرحة الأولياء الصالحين المتناثرة في أريافها.
تغطي النباتات في الغرب أطلال سمرقند القديمة أو "مركاند" و تحمل الروابي التي تظهر فوق السهل المسقي آثار بناءات تخترقها سراديب أدى التنقيب فيها إلى استخراج شظايا أواني فخارية و قطع نقدية. هنا ،يقول الأهالي ،كان يقيم "الأفراسياب" الأسطوري الذي يعده البعض مؤسس المدينة و البعض الآخر مخربها.
ما يزال سور سمرقند قائما وراء القلعة بست كيلومترات.
لم يمنع التدين سكان سمرقند من المتاجرة بقوة مع الغزاة الروس،غير أن كبار التجار أجانب :يهود،هندوس،أفغان، و ليس لسمرقند من صناعة أخرى غير فلاحة الأرض.و ما السهل المحيط بها و الذي ما يزال يحمل اسم "صغد" إلا حديقة شاسعة.
ارتفع عدد سكان حاضرة زارافشان منذ بداية السيطرة الروسية بأربع مرات،ولم يكن العدد عام 1834 يتجاوز الثمانية إلى التسعة آلاف نسمة. (...).
المصدر :
NOUVELLE GEOGRAPHIE UNIVERSELLE
Par ELYSEE RECLUS, Volume 5,1881
ترجمة كاتب مدونة تاج.
* - تقول الرواية أنه قاسم بن عباس ابن عم النبي(ص).بني المسجد في القرن الحادي عشر.
صور رائعة عن سمرقند على الرابط التالي: link
https://plus.google.com/u/0/109104459443866562215/posts/ZrgHsAGmwZo